فليلعننا الله جميعاً – كلنا دون استثناء .
فليلعن الله فتح و حماس ، و كل من يتوقف عن إدانة الدماء لكى يكتفى بلعن فتح و حماس ، فليلعن الله قناة الجزيرة التى تشعر أنها ليست مهتمة سوى بإدانة مصر و اتهامها بالتآمر على غزة .
و ليلعن الله أبواق الحزب الوطنى المبارك الذين لا هم لهم سوى تذكير العالم بحكمة القائد التى يحل الخراب بكل من لا ينصت إليها .
هل شاهدتم وجوه الأطفال و هم يبكون رعباً و هلعاً ، إذا لم تكونوا قادرين على إعادة طفولتهم إليهم فاخرسوا جميعاً ، و لا ينطقن أحد منكم بكلمة لعينة سواء كانت عن فضائل حماس أو رذائل فتح .
فليلعننا الله جميعاً – كلنا دون استثناء .
مبروك أيها السادة ، نحن لم نصل إلى القاع بعد ، مازالت لدينا فرصة أكثر لكى نحفر أكثر باتجاه قاع لا نهائى .
ها نحن و قد أصبحنا لا نتمنى أن تعود الأرض أو يعود أهلها إليها دون أن تعود هى ، لم نعد نتمنى سوى أن تعود إلينا قدراتنا على الحزن الصافى الذى لا تنجسه التحليلات الإستراتيجية ، قدرتنا على الألم المحض الذى لا تخرق براءته أصابع الإتهامات ، قدرتنا على أن نبكى ذاهلين و نحن نرى فلسطينياً مضرجاً بالدماء يرفع إصبعه إلى السماء و يقرأ الشهادتين دون أن يعكر صفو بكائنا سؤال مرير ((هو من حماس و لا من فتح ؟)) ، قدرتنا على أن نهتف بيقين ضد العدو دون أن تلخبطنا حقيقة أن هناك الأن أكثر من عدو .
فليلعننا الله جميعاً – كلنا دون استثناء .
ها نحن أصبحنا مجبرين على أن نختار بين الوقوف خلف أمير دويلة كرتونية تنطلق منها الطائرات الأمريكية لتغير على المنطقة ،أو خلف قادة دول تصلبت شرايين إرادتها و
أصبح غاية طموحها أن تستقر على الأرض دون حراك ، ها نحن و قد صار علينا لكى نوصف بالوطنية أن نختار الدفاع عن مجموعة من الحمقى لمجرد أنهم يرفعون شعارات إسلامية أو الدفاع عن مجموعة من المتبلدين الموتى على كراسيهم الذين يعتبرون الكرامة الوطنية كلام جابنا ورا .
آه يا مر الإختيار بين دول قزمة تتعملق و دول عملاقة تتقزم ، و آه يا هوان البلاد التى تدافع عن نفسها بشراسة دون أن تدرك أنها صارت حيث وضعت نفسها .
فليلعننا الله جميعاً – كلنا دون استثناء .
هل نريد لإسرائيل أن تقتنع أننا آدميون لا يصح أن نُذبح كالخراف ، طيب هل حكامنا مقتنعون أساساً بآدميتنا ؟ ، هل نُخَبنُا السياسية مقتنعة أساساً أن شعوبها ليست خرافاً خانعة ؟ ، و هل شعوبنا الغاضبة على الموت فى غزة نالت يوماً فرصة الحياة بكرامة لكى تغضب على من يموتون بكرامة ؟
فليلعننا الله إذا اكتفينا بمصمصة الشفاه على القتلى ، أو بنبح الأصوات فى الهتافات ، أو بالرطانة فى البرامج عن الأخطاء الإستراتيجية ، فليلعننا الله إذا لم نحسم مع أنفسنا أولاً السؤال الأولى بالإجابة : بماذا سنحارب إسرائيل ، بالشعارات الدينية التى لم تُغَير ما بأنفسنا ؟. بالإستهلاك الدائم لكل شىء إلا المعرفة ؟
بالفروع الجديدة لأحدث المطاعم العابرة للقارات ؟ ، بالكتابات التى تُدلك العجزة لكى تُقنعهم برجولة متخيلة ؟ ، بالأدمغة الفارغة إلا من اليأس و السخط و البكاء على الأطلال ؟ أم بشتيمة بعضنا البعض فى افتتاحيات الصحف الرسمية العربية التى تكتب من أجل قارىء واحد لا يقرأ حتى الملخصات التى تُكتب له ؟ ،
أم بـ ((العنتريات التى ما قتلت ذبابة )) ؟
فليلعننا الله لو لم ندرك أن ضربة إسرائيل الموجعة لم تكن أبداً فى غزة ، فغزة أقوى من أن يكسرها الموت .
محمود درويش قال عنها موجزاً معجزاً فى يوميات الحزن العادى :
قد ينتصر الأعداء على غزة
كما ينتصر البحر الهائج على جزيرة صغيرة
قد يقطعون كل أشجارها ، قد يكسرون عظامها
قد يزرعون الدبابات فى أحشاء أطفالها و نسائها
.... لكنها لن تكرر الأكاذيب . و لن تقول للغزاة نعم .
و ستستمر فى الإنفجار ، لا هو موت و لا هو انتحار ،
و لكنه أسلوب غزة فى إعلان جدارتها بالحياة .
--------
فليلعننا الله جميعاً إذا لم ندرك أن ضربات إسرائيل الساحقة الماحقة لنا كانت و مازالت و ستظل فى الانتخابات النزيهة ، فى العلم و التقنية و التعليم المتطور دائماً و أبداً ، فى زراعة الصحراء المغتصبة ، فى الصحافة التى لا سقف لحريتها ، فى الإرادة السياسية القوية ، و التفكير فى المستقبل ، و تجاوز المتطرف مع الملحد من أجل البقاء ، و إحترام كرامة المواطن حتى لو كان مجرد أشلاء مدفونة فى واد لبنانى سحيق .
إسرائيل لن تفهم سوى لغة القوة ، و إلى أن نمتلكها ياريت نخرس خالص ، و إلا
فليلعننا الله كلنا دون استثناء .
No comments:
Post a Comment