صُفع فى مصر
بلال فضل
الأربعاء 1 / 3 / 2006
مجلة الشباب
قارئ عزيز من قراء الشباب سألني كيف أتحمل الهجوم النقدي الضاري الذي يشن عادة علي أغلب أفلامي, قارئ آخر أعز سألني كيف تكتب في السياسة بجرأة ثم تكتب أفلاما لاتقدم أي مضمون جاد, قارئ ثالث عاتبني لأنني قلت إنني أهتم برأي الجمهور أولا وأخيرا وأحترم رأي النقاد لكنني لاأهتم به بنفس القدر, بالطبع هناك قراء أعزاء ليس لديهم مشكلة فيما أكتبه للسينما بل يستمتعون به, وأنا أشكرهم علي ذلك, لكنني مهتم أكثر بأن أجيب علي أسئلة المعاتبين أو المنتقدين أو الغاضبين وهو ماأحاول أن أفعله هنا بأن أكتب جديدا في موضوع تحدثت فيه
عشرات المرات. استعنا علي الشقا بالله
وأنا أخطو خطواتي الأولي في عالم السينما تعلمت من الفنان الكبير عادل إمام أن أصدق شباك التذاكر, لأنه أصدق صندوق انتخابي في مصر فهو إفراز مباشر لإرادة متفرج السينما الذي يفتح بيوتنا ويصرف علينا علي حد تعبير عادل إمام. منذ أن أعطي المصريون ثقتهم لعادل إمام لكي يكون نجم الشباك الأول في مصر بلا منازع, وهو مخلص لهذه العلاقة, يضعها دائما نصب عينيه, يكتب رقم إيرادات الفيلم كل ليلة علي مرآة غرفته في المسرح, تذكره بمكانته عند الناس الذين اقتطعوا من أقواتهم أموالا لكي يتفرجوا عليه, تاركا للكتاب والنقاد والمثقفين أن يغرقوا في جدل بيزنطي لم ولن ينتهي حول من الذي يصنع القيمة الفنية, الإيرادات أم رأي النقاد, رأي الجمهور العادي أم رأي النخبة, من هو الأفضل عادل إمام الذي يحتل دائما رقم واحد, أم أحمد زكي الذي لاتحقق أفلامه أي إيرادات, صانعين صراعا وهميا لم
يخسر فيه أحد سوي النقاد, كان أحمد زكي يؤمن دائما علي كلامهم واجدا فيه عزاء كثيرا لخذلان الناس له في دور العرض, مرة قال لي 'عادل إمام مش بس نجم شباك.. لا ده نجم بلكونة.. بس أنا شباكي علي قدي وستايره حرير وعاجبني', احترمت منطقه لكنني بعد أيام ارتميت علي الأرض من الضحك وأنا أشاهده يشعل خناقة بنت لذين لأن فيلم عادل إمام أخذ منه سينما مترو, بعدها بيومين كان يلقي علي أحبابه دراسة تحليلية لأسباب انخفاض إيرادات حسن اللول مقارنة بإيرادات بخيت وعديلة, كنا نستمع ونضحك لأنه حتي أحمد زكي لم يقنع بكل كلام النقاد والكتاب, بل كان يتمني داخله أن يري الناس بالضرب أمام السينمات التي تعرض أفلامه, كتب له القدر ذلك أحيانا في شادر السمك وكابوريا بينما انصرف الناس عن الحريف وحب في الزنزانة, ولم يسعد ذلك أحمد زكي بل ذهب ليتخانق مع أصدقائه لأنهم ذهبوا بهذه الأفلام إلي عادل بدلا منه, قال لي مرة 'عايزني أنبسط لما الناس تنبسط وهي بتتفرج عليا وأنا باتكرع وأقول أحمد أبو كامل وعادل إمام في السينما اللي جنبي بيمثل ويغيظني'. لكنه في الفيلم التالي كان يغضب مجددا لأن الناس ذهبت إلي عادل إمام ولم تأت إليه وهو يمثل ويغيظ عادل إمام.
في النهاية وبعد سنوات من التحليلات والآراء والمقارنات بقي عادل إمام متعه الله بالصحة والعافية وبقي أحمد زكي رحمه الله, كل ماقدماه مازال يعيش في وجدان الناس, كل في موقعه, أحمد زكي كأعظم ممثل شهدته مصر علي الإطلاق, وعادل إمام كأسطورة سينمائية تربعت علي القمة لأكثر من ثلاثين عاما قدم فيها كل أنواع السينما من حب في الزنزانة إلي حنفي الأبهة, بقي محمود عبد العزيز ومحمود ياسين ونبيلة عبيد وفاروق الفيشاوي ومحمد عوض وأمين الهنيدي, بقي شنبو في المصيدة والزوجة الثانية ومقص عم قنديل وعفريت عم عبده وعليش دخل الجيش وآلاف من الأفلام الجيدة والمتوسطة بل والرديئة التي اختلف الناس حولها ومعها وعنها, لكنها بقيت في ذاكرة السينما, وبقيت في مكان أبعد من ذاكرة السينما أيضا المقالات التي كتبت عنها تمدحها أو تهاجمها أو تتجاهلها, وكلما كتب ناقد غاضب عن هذا الفيلم أنه سيسقط من ذاكرة السينما ثبت بعد سنين أنه حتي فيلم تجيبها كده تجي لها كده هي كده يمكن أن يجلب آلاف الدولارات من الدقائق الإعلانية عند عرضه.
هنا أحب أن أذكر أنه علي مدي تاريخ السينما المصرية ـ وأنا أتحدي أحدا أن يكذبني, تحدي محبة لاتحدي خناقة ـ كان هناك من يتحدث عن أزمة السينما المصرية ويندب إقبال الناس علي الأفلام الرديئة التي تسطح وعيهم وتزيفه بينما ينفضون عن الأفلام الجيدة التي لاتجد من يعبرها, ومرت الأيام فأصبحت الأفلام التي لم يشاهدها أحد في السينمات علامات بارزة في تاريخ السينما, وأصبحت الأفلام التي اتهمت بتزييف وعي الناس أفلاما لذيذة نقضي معها أوقاتا سعيدة في الظهيرة أو في المساء عندما نريد أن نفضي دماغنا حبتين, عاشت كل الأفلام وأكل النقاد عيشا علي قفاها جميعا سواء بالمدح أو بالذم, وبقي صانعوها حتي المتهمون منهم بالتفاهة, وكتبت عنهم دراسات تاريخية وقضي باحثون ساعات طويلة يجمعون معلومات عنهم لتحديث موسوعة سينمائية أو بيبلوجرافيا أو دراسة سيقبضون عليها بالدولار في مجلة كويتية.
ولأنني أدرك ذلك كله لم أعد أغضب عندما أقرأ أي رأي في فيلم من أفلامي, بل وأتصل بصاحبه إن كنت أعرفه لأشكره, أو إن كنت أعرف سوء طويته أشكه نقدا مماثلا أو افيها يثبت له أنني ولا في الدماغ, بينما علي العكس ينخلع قلبي كل ليلة من ليالي الأسبوع الأول لعرض الفيلم وأنا أنتظر رسالة الإيرادات التي تصل علي تليفوني المحمول لأعرف هل الذين يصرفون علي راضون عني أم لا. ودائما كان الله عزوجل يديم رضاهم علي, غضبوا علي مرة وسيغضبون مرارا, لكنني سأظل دائما أسأل الله رضاهم, وأن يديم علي نعمة أن اقف في سينما بيجال ذات الألف كرسي ـ للأسف تم تقسيم سينما مترو ذات الألف و300 كرسي إلي 4 شاشات ـ أو سينما جلاكسي ذات المائتي كرسي, أقف في الظلام أشاهد فيلمي مع الناس, أسمع ضحكاتهم العالية وهي ترج السينما, أسجلها علي الموبايل أو أصورها بكاميرا الفيديو أو أنقشها في وجداني حامدا الله علي كل ضحكة أو سوكسيه أو تصفيق, ومقطبا إن رأيت شرودا أو همهمة أو هرجا, أفتخر بأنني أعمل لأسعدهم, عندما يقول لي أحد يعني إنت عامل زي المهرج في السيرك,
أفرح وأقول له ياريت لقد منحنا مهرجو السيرك ونحن أطفال سعادة ربما لم نسعد مثلها بعد ذلك, لاألوم أحدا لايفهمني لأنه ربما لم يكن يوما مثلي وأنا أندس وسط مئات من البشر نتلقي ضربات الأمن المركزي وعصي أمن السينما, كل ذلك لكي نلحق بأول حفلة لعادل إمام في العيد, نسعد معه وبه علي قدر ماتسمح لنا به عيدياتنا, نشعر أننا سعداء ولو لساعات, ونخرج من السينما وشنا ضاحك وقلبنا مزقطط نسترجع افيهاته ونقلد طريقته في التقبيل وإشعال السيجارة ورفعة الحاجب وضرب الأشرار, في نفس الوقت كان بالتأكيد يجلس ناقد كبير يكتب دراسة سوسيولوجية عن أسباب إقبال الناس علي عادل إمام الذي يسطح وعيهم ويقوم بتخديرهم وتزييف وعيهم, تماما كما كان ثمة من يكتب دراسات مشابهة عن اميتاب باتشان أو جان بول بلموندو أو بروس ويليس أو ايدي ميرفي أو محمد سعد. بالمناسبة شاهدت نقادا كثيرين كتبوا يوما ما دراسات مشابهة عن عادل إمام وشتموا أقرب أفلامه إلي قلوب الناس, ثم دارت بهم الأيام ليكتبوا شعرا في أفلام له هي أقل مستوي من أفلامه التي أرست عرش محبته في قلوب الناس, فأدعو الله لمن اخترع سلاح الأرشيف, أمضي سلاح لكشف تناقضات الكتاب وانتهازيتهم ولعبهم بالبيضة والحجر.
هنا أحب أن أنبه القارئ الكريم إلي وهم نقله نقاد وصحفيو السينما إلي كثير من القراء, ألا وهو تقييم الفيلم بكونه يترك أثرا في نفس المشاهد أم لا, قرأت أكثر من مرة أسئلة عن أغلب أفلام الشباب خصوصا الكوميدي منها تسأل 'ماالذي يبقي في داخل المتفرج بعد أن يشاهد أفلاما مثل بوحة وعوكل وصايع بحر وظرف طارق وغيرها', والحقيقة أنني أتمني لو سمعت هذا السؤال مرة أخري أن تسأل من يسأله أو حتي تسأل نفسك: منذ متي كان يشترط أن يترك الفيلم السينمائي شيئا بداخل متفرجه, ومن الذي وضع هذا شرطا, ثم يعني لو شاهد أحد فيلم المومياء ورآه مجرد هراء يصبح فيلم المومياء هراء, وماالذي يبقي بداخل من يشاهد سلسلة مهمة مستحيلة أو ملائكة شارلي أو داي هارد أو أفلام اسماعيل ياسين سوي التسلية وقضاء وقت لذيذ, وهو هدف غاية في النبل لايقدره حق قدره إلا من كانت حياته معذبة وذهب
إلي السينما ليبحث عن عزاء يعينه علي مرارة الحياة, ثم إن السؤال هو: من الذي نستطيع أن نتخذه معيارا للحكم علي بقاء شيء في نفس المتفرج, هل هو الناقد أم المتفرج, يعني لو أتيت لناقد ما بمائة شاب جامعي وجعلتهم يسمعون له حوارات كاملة من اللمبي أو عوكل أو حرامية في كي جي تو, هل يفترض أن نجبره علي أن تحوز هذه الأفلام علي رضاه السامي وصك غفرانه.
هل أقول كل هذا لكي أتهم كل من يهاجم أفلامي أو أفلام غيري بأنه غير صادق فيما يكتبه, حاشا لله, فأنا أعلم أن كثيرا من النقاد فعلا لايحبون الأفلام الرائجة منذ سنوات, ولست أستغرب ذلك فأنا أعلم فعلا مايحبونه لأنني أحبه وأستمتع بمشاهدته وأحاول جاهدا أن أصنعه وكتبت منه أكثر من فيلم أحبها جميعا لكنها لم تجد فرصتها للإنتاج بسبب رغبة أغلب صناع السينما في إنتاج نوع واحد مضمون أكثر, لكنني لم أترك ذلك يحبطني لأنني أيضا أحب أن اصنع أفلاما أخري, سمها أفلام هلس, سمها أفلام مسخرة, سمها أفلاما تنساها بمجرد خروجك من السينما, سمها أفلاما لذيذة, سمها ماشئت, ولن يغضبني أي اسم تطلقه عليها, لكنني سأغضب لو ظننت أنني أصنعها وأنا غير مقتنع بها أو غير محب لها, فأنا لم ولن أكون بحمد الله راكبا علي الموجة أو انتهازيا, وإلا لاتخذت من ذلك منهجا في حياتي كلها,
أنا صادق مع نفسي, لاأبحث عن شهادات من أحد, لاأحب أن يقال عني إني أستاذ, فسأظل دائما تلميذا أخطئ وأتعلم من أخطائي, ولعلي يوما ما أصيب, وربما لاأصيب, ليست هذه مشكلة بالنسبة لي, تفرحني مقالة مكتوبة لكن يطربني أكثر رقم عال أو سينما مزدحمة تملؤها الضحكات أو يسودها الصمت في مشهد إنساني علي قلة ماكتبت من مشاهد إنسانية, عندما يقول الناقد المحترم طارق الشناوي إنني دائما أبحث عن الإفيه لن أقسم له علي المصحف إنها بتيجي معايا كده من غير بحث, ولن أجادله فيما إذا كان أبو علي اسكتشات حسب رأيه أو أن حاحا وتفاحه ليس فيه قصة إطلاقا, سأحتمي ببهجة الناس في الحفلات المزدحمة وبتصويتهم لأبو علي وحبهم له وثنائهم علي قصته وتصفيقهم في نهاية الفيلم في كل الحفلات التي حضرتها وقبل ذلك بسيدة كبيرة تعرف أبناؤها علي وأنا أمام باب السينما التي تعرض (حاحا وتفاحة) فقالت لي بمحبة لاأظنها خادعة 'ربنا يسعدك ياابني زي ماأسعدتنا', أعلم أن رضاء الناس غاية لاتدرك وأن هناك من يدخلون أفلامي ويخرجون ساخطين, هؤلاء هم الذين لاأجادلهم أبدا بل أقول كلمة واحدة 'أوعدكو أعوضكو الفيلم الجاي', هل أجرؤ علي أن أجادل دافع تذكرة, أعوذ بالله. دي مش أخلاقي أبدا.
ختاما لاأملك إلا شكر من دخل فيلما لي وانبسط وخرج سعيدا ضاحكا, ولاأملك إلا الاعتذار لكل من دخل فيلما لي وتضايق أو خرج غاضبا أو محبطا, وللجميع تحياتي ووعودي الصادقة في أن أبذل كل الجهد في أن أكون دائما أفضل. والحساب يجمع.