إصطباحة

بلال فضل

تنشر على موقع المصرى اليوم

 

Wednesday, August 5, 2009

اصطباحة 26/7/2009

اصطباحة
نعم، أنا أعى جيداً ما أقول. مع احترامى البالغ للمجلس الأعلى للثقافة قيادة وشعباً، إذا كنا حقاً نريد مساندة أصحاب الآراء المستنيرة والشجاعة ألم يكن من الأولى أن يتم منح الجائزة لعالم محترم مثل الدكتور نصر حامد أبوزيد الذى مهما اختلفت مع آرائه لا يمكن أن تتهمه بازدراء الأديان أو الاستعراضية أو الغوغائية أو السعى إلى الشهرة، ألم يكن هذا التكريم سيرد الاعتبار لهذا الرجل الذى أُبعِد عن وطنه لكى لا يفرقوا بينه وبين زوجته، مع أنه لم يفعل شيئاً خارج إطار مهنته كباحث جامعى من واجبه أن يخطئ ويجرب ويجمح ويشطح ويدافع عن أفكاره ويتراجع عنها لو اقتنع، خاصة أنه لم يتخذ من أفكاره وسيلة للشهرة أو الحصول على مكاسب مادية؟! ولو لم يكن قد تعرض للمثول
أمام محاكم التفتيش فى أفكاره ونواياه لكان قد استمر فى جامعته وبلده حتى آخر عمره
.
قاطعنى الصحفى «الأشبب» قائلاً: «بصراحة أنا مش فاهم منك حاجة.. إزاى تبقى ضد سيد القمنى ومع نصر حامد أبوزيد فى نفس الوقت»، قلت له «إذا كنت ضد أحد أو معه فأنا مع احترام قيمة جوائز الدولة وضد ابتذالها باستخدامها (مَنَطّاً) إلى اليونسكو»، ثم قلت له إن سؤاله ذكّرنى بالعالم الجليل الدكتور حسن حنفى الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية هذا العام، والذى استأت بشدة من محاولة بعض المحتجين وضعه فى سلة واحدة مع القمنى، خصوصاً أن الدولة تأخرت كثيراً فى تقديره بسبب مواقفه المستقلة الجريئة، قد تصدمك بعض آراء الدكتور حسن الدينية لكنك تظلمه لو نسيت أنه صاحب مشروع فلسفى وفكرى محترم أفنى عمره من أجله، تتلمذت على يديه فى كلية الإعلام حيث درّسنا مادة الفكر المعاصر
،
كنا نوقن فى نهاية كل محاضرة أنه ينتمى إلى المذهب الذى يدرسه فيها من فرط تميزه فى عرضه، بعض زملائنا من أنصار التيار الإسلامى كانوا يكفرونه عقب كل محاضرة، مرة لأنه ماركسى وأخرى لأنه وجودى وثالثة لأنه يؤمن بالوضعيه المنطقية
،
بينما سعيت أنا وبعض زملائى لقراءة كتبه ليزداد إعجابنا بأفكاره الجريئة الحالمة بتثوير الإسلام، ذات يوم قرأنا على زملائنا الإسلاميين بعض مقتطفات من كتبه عن الدين والثورة فى مصر، فنهض أحدهم وهتف «الله أكبر ولله الحمد.. ينصر دينك يا دكتور حسن»، وبعد أن قرأنا مقتطفات أخرى صرخ صديقنا «الله يخرب بيتك يا دكتور حسن.. هتمخول اللى خلفونا»، مازلت أذكر يوماً فاض فيه الكيل بإحدى زميلاتنا من معتنقى نظرية «الدح»، فطلبت الإذن من الدكتور حسن لتقول له وبلاهة خريجى الثانوية العامة فى عينيها «أنا مش فاهمة حضرتك عايزنا نقتنع بأنهى نظرية بالضبط.. حضرتك بتغير رأيك كل أسبوع ليه.. إحنا كده اتلخبطنا
»،
نظر إليها الدكتور حسن مبتسماً ثم قال بصوته المميز «يا آنسة أنا جاى هنا مخصوص عشان ألخبطك.. لأنك لو ما اتلخبطتيش مش هتعرفى تفكرى.. يا آنسة بطلى نقل فى اللى باقوله وحاولى تفكرى فيه كل أسبوع عشان فى الآخر يا آنسة يبقى ليكى تفكيرك الخاص»، هذا حقاً هو العالم الذى يستحق التكريم والتقدير والاحترام
،
ومن العيب كل العيب أن يتم جرح مكانته ومكانة كل العظماء الذين حصلت عليهم جوائز الدولة هذا العام بحشر اسم سيد القمنى بينهم، إن الرسالة التى يحملها تكريم القمنى شديدة الخطورة، لأنها تشكل انحرافاً للدولة عن دورها الذى يوجب عليها دعم الآراء المستنيرة والمجددة والجادة، لتتجاوزه إلى دعم الآراء المتعصبة والغوغائية والمتطرفة، غافلة عن كون التطرف العلمانى توأماً للتطرف الدينى، ولن ينصلح حال هذا الوطن إلا عندما يتخلص من الاثنين، أنا آسف لن يحدث أبداً أن نتخلص من المتطرفين إلى الأبد، لكن أليس واجبنا أن نحاول تحجيمهم وعدم السماح لهم بأن يجعلوا من بلادنا ضحية لصراعاتهم المهووسة
.
صرخ الصحفى الشاب فىّ مجدداً «برضه مافهمتش انت مع مين بالضبط؟»، قلت له «طالما أنت مُصر على أن تتبع معى سياسة (انت معانا ولا مع التانيين)، دعنى أوضح لك موقفى أكثر، يا سيدى إذا أقيمت فى يوم واحد مظاهرة تندد بمنح جائزة الدولة التقديرية للدكتور سيد القمنى، وأخرى تندد بالدعوات التى تطالب بمصادرة كتبه وقمع حريته، فسأشترك فى المظاهرتين».
قال لى وقد يئس منى «يا أخى إنت لخبطتنى معاك» فقلت له مستحضراً أستاذنا العظيم حسن حنفى «كويس، لعلمك بقى أنا رديت عليك مخصوص عشان ألخبطك». وانتهت المكالمة.